سأبدأ بإخبارك قصة شخصية: قبل فترة ليست ببعيدة كنت ألقي نظرة على أهدافي للأعوام السابقة، قمت بتسجيل الدخول إلى حسابي في تريلو وبدأت بتصفح أهدافي اللانهائية المشتتة والغير منطقية فلاحظت شيئا صادما.
هناك تشابه بين أهدافي منذ ثلاث سنوات وأهدافي الحالية، إنه ليس تشابها بل هو تطابق تام!!
إنني -ولمدة ثلاث أعوام- أود:
- ممارسة الرياضة بانتظام
- الالتزام بنظام غذائي صحي
- تعلم اللغة الألمانية
- تعلم الشطرنج
- تعلم البرمجة (هذه قصة أخرى لها تدوينة مستقلة)
- إتقان التحدث أمام الجمهور
- القراءة يوميا
- تعلم التصوير
- تعلم الكتابة السريعة
- تعلم التسويق
- تعلم إكسيل
وأهداف أخرى ثانوية لا داعي لذكرها
فهل يعقل أن الثلاث أعوام السابقة مرت بدون الوصول ولو لهدف واحد من أهدافي؟!
نعم، لم أصل إلى أي شيء، لم اتعلم أي مهارة ولم أحقق أي هدف من الأهداف السابقة. وهذا ليس سبب رغبتي في الكتابة تفصيلا عن الموضوع فهناك الملايين والملايين من البشر حول العالم ممن يفشلون في تحقيق أهدافهم، لكن أعتقد أن تجربتي تستحق الكتابة عنها لأنني لم أفشل بسبب إضاعة الوقت هنا وهناك أو عدم وجود مصادر كافية للتعلم أو أي سبب آخر قد يخطر على بالك.
السبب الحقيقي هو “وهم الإنجاز”
وهم الإنجاز
تود تعلم مهارة أو إتقان مجال ما، فتقرأ عن طبيعة هذا المجال، متطلباته، تبحث عن خارطة طريق كاملة، ولا بأس بقضاء بضعة أيام إضافية هنا وهناك بحثا عن حيل واختصارات لإتقان المجال في أقصر فترة ممكنة. حتى الآن لا توجد مشكلة.
المشكلة تبدأ حين تطول تلك الفترة وتستمر كثيرا، لكن لا بأس ربما الموضوع معقد وتحتاج للقراءة كثيرا قبل أن تبدأ بتعلمه فعلا، فحتى الآن قد يكون كل ما قلته طبيعيا. لكن ما ليس طبيعيا وما قد يذهب بأعوام من عمرك سدى هو أن تظن أنك بمجرد القراءة واستهلاك المحتوى عموما أنك تحرز تقدما نحو هدفك! إن انطبق عليك الوصف السابق، فأحب أن أهنئك: لقد وقعت في الفخ!
وهم الإنجاز هو مصطلح -لا أدري إن كان موجودا بالفعل ذا تسمية أخرى أم لا- يصف الحالة التي يظن الإنسان فيها نفسه منجزا ومحرزا للتقدم لمجرد قراءته لمقال أو مشاهدته فيديو أو استهلاك أي نوع من المحتوى. بعبارة أخرى، هي الحالة التي تستهلك فيها أكثر مما تنتج، فتقرأ الكثير والكثير من الكتب عن البرمجة بدون بناء مشروع واحد، وتشاهد الكثير من المحاضرات عن فن الإلقاء والتحدث أمام الجمهور دون أن تخرج من غرفتك وتتحدث حتى إلى أصدقائك، وهكذا.
المشكلة هنا ليست في استهلاكك المحتوى بكميات كبيرة أو صغيرة فقط، المشكلة الحقيقية تكمن في أنك تظن أنك تحرز تقدما!!
قد تضيع شهورا وأعواما من عمرك -كما أضعت أنا- ظنا منك أنك في الطريق الصحيح تجاه تعلم ما تود تعلمه أو الوصول لهدفك، لا داعي لتكرار نفس الخطأ، اذهب وارتكب أخطاءا جديدة وتعلم شيئا جديدا.
كيف يؤدي بك التخطيط إلى الفشل!
هناك أشكال مختلفة لوهم الإنجاز سأتحدث عن شكل واحد رئيسي أما الباقي فهو عبارة عن تفرعات منه:
التخطيط: أنا شخص أحب التخطيط لأقصى درجة، كل شيء في حياتي لا بد أن يسير وفق نظام ونسق معين، حتى وقت ليس ببعيد كنت أظن أن هذه صفة حميدة، فمن يحب الفوضى و العشوائية؟ لكن اكتشفت مؤخرا -والحمد لله- أنه مجرد شكل من أشكال وهم الإنجاز. فأنا أخطط كثيرا وكثيرا بدون تنفيذ انتظارا مني لخطة مثالية ومصادر ممتازة للتعلم، وهو ما يستحيل إيجاده لأنه كما قال أحدهم:
الخطة عديمة الفائدة، التخطيط هو كل شيء
ويعني ذلك أن الخطة الثابتة عديمة الفائدة بل قد تكون مضرة، بينما التخطيط -وهو عملية مستمرة من تغيير وإعادة ترتيب أوراقك لتناسب الظروف المتغيرة- فهو ما سينفعك فعلا. وصدق أو لا تصدق: لا يمكنك أن تقوم بالتخطيط بدون أن تعمل وتطبق الخطة، فمع انتقالك من مرحلة بناء خطة إلى مرحلة التطبيق ستظهر لك المشاكل والعيوب الموجودة وبالتالي ستعمل على إصلاحها، أي ستعمل على التخطيط.
هناك أشكال مختلفة للتخطيط: فمثلا، محاولتك -لوقت أطول من اللازم- لجمع المصادر ومعرفة أفضل تقنيات التعلم وتحديد ما إذا كانت المهارة مناسبة لك أو لا. أيضا محاولة تحديد وبناء خارطة طريق مكتملة -قبل أن تبدأ حتى- هو شكل آخر شائع جدا من أشكال وهم الإنجاز.
إن كنت أكملت القراءة على أمل أن أقترح حلولا بشكل أو بآخر فأنا آسف لتخييب ظنك لأنني مازالت غارقا في وهم الإنجاز حتى هذه اللحظة لكن أحاول الخروج من هذه الدوامة عبر ممارسة وتطبيق ما أود تعلمه بدلا من مجرد القراءة فقط، وهذه التدوينة هي الخطوة الأولى تجاه التعافي.
لكن هناك بالفعل تدوينة ممتازة لطارق ناصر يتحدث فيها عن قاعدة لتعلم واكتساب أي مهارة بسرعة، أنصحك بالاطلاع عليها.
انتظر مني تدوينة جديدة يوميا ولمدة أربعين يوما ضمن تحدي رديف للكتابة، والذي يمكنك أنت أيضا أن تشارك فيه لتحصل على اشتراك سنوي مجاني في مجتمع رديف. أنصحك وبشدة أن تشارك في هذا التحدي.
دون مبالغة، أسلوبك جميلة يا خالد، وأتمنى أن أقرأ لك 39 تدوينة أخرى.
كل التوفيق، وتجربتك ملهمة، ربما حان الوقت لعادات صغيرة يوميًا، أحسن من التخطيط وعدم إنجاز شيء.
شكرا جدا يا طارق، ربما سأتجه فعلا للعادات الصغيرة فهي أكثر الحلول ملائمة لوضعي.